recent
أخبار ساخنة

## فرنسا على مفترق طرق: أزمة اقتصادية وسياسية متفاقمة وخيارات صعبة

 

## فرنسا على مفترق طرق: أزمة اقتصادية وسياسية متفاقمة وخيارات صعبة

 

تجد فرنسا نفسها اليوم في قلب عاصفة مزدوجة، تتشابك فيها الأزمات الاقتصادية الخانقة مع حالة من الاضطراب السياسي غير المسبوق. ففي ظل تصاعد الدين العام وتفاقم عجز الموازنة، ووسط سلسلة من التغييرات الحكومية المتتالية، يبدو المشهد الفرنسي أكثر تعقيداً من أي وقت مضى. وقد بلغ هذا التعقيد ذروته مع رفض البرلمان لمشروع الموازنة التقشفية، الذي كان يهدف إلى كبح جماح الإنفاق العام، وهو ما أثار تساؤلات جدية حول مستقبل ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو.

تجد فرنسا نفسها اليوم في قلب عاصفة مزدوجة، تتشابك فيها الأزمات الاقتصادية الخانقة مع حالة من الاضطراب السياسي غير المسبوق. ففي ظل تصاعد الدين العام وتفاقم عجز الموازنة، ووسط سلسلة من التغييرات الحكومية المتتالية، يبدو المشهد الفرنسي أكثر تعقيداً من أي وقت مضى. وقد بلغ هذا التعقيد ذروته مع رفض البرلمان لمشروع الموازنة التقشفية، الذي كان يهدف إلى كبح جماح الإنفاق العام، وهو ما أثار تساؤلات جدية حول مستقبل ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو.
## فرنسا على مفترق طرق: أزمة اقتصادية وسياسية متفاقمة وخيارات صعبة


## فرنسا على مفترق طرق: أزمة اقتصادية وسياسية متفاقمة وخيارات صعبة


### أبعاد الأزمة الاقتصادية دين عام وعجز متزايد

 

لم تكن الأزمةالاقتصادية التي تمر بها فرنسا وليدة اللحظة، بل هي نتيجة لتراكمات وعوامل متعددة على مدى عقود. فمنذ عام 1974، تعاني الموازنة الفرنسية من عجز مزمن، تفاقم بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة بسبب ارتفاع أعباء خدمة الدين العام وتراجع الإيرادات. لقد وصل الدين العام الفرنسي إلى مستويات فلكية، متجاوزاً 3.35 تريليون يورو (ما يقارب 4 تريليونات دولار)، وهو ما يمثل نسبة تقارب 114 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. هذا الرقم يضع فرنسا في المرتبة الثالثة من حيث أكبر دين عام في دول الاتحاد الأوروبي الـ27، بعد اليونان وإيطاليا.

 

  • إلى جانب الدين العام، يعاني عجز الموازنة الفرنسية من تجاوز كبير للسقف الذي تسمح به المفوضية
  •  الأوروبية. فبينما يحدد الاتحاد الأوروبي نسبة ثلاثة في المئة كحد أقصى للعجز، وصلت النسبة في
  •  فرنسا إلى 5.8 في المئة، أي ما يقارب الضعف. هذا التجاوز المستمر يفرض ضغوطاً هائلة على
  •  الخزانة العامة، ويدفع الحكومة إلى الاقتراض المتواصل لسد الفجوة، مما يؤدي بدوره إلى زيادة
  •  الدين وتكلفة خدمته.

 

ويرى بعض المحللين أن السياسات المالية والاقتصادية للرئيس إيمانويل ماكرون تتحمل جزءاً من المسؤولية عن الوضع الراهن. فقد تبنى ماكرون سياسات تميل نحو اليمين، مثل الإعفاءات الضريبية والتسهيلات للأعمال والشركات، بهدف استمالة القاعدة الانتخابية لليمين المتطرف. ورغم أن هذه السياسات قد تبدو جذابة على المدى القصير، إلا أنها أسهمت في تراجع عائدات الخزانة العامة وزيادة العجز، خاصة مع تباطؤ النمو الاقتصادي. إن تمويل هذا العجز بالاقتراض هو ما دفع بالدين العام إلى مستوياته الهائلة الحالية.

 

### الاضطراب السياسي حكومات متعاقبة ومأزق برلماني

 

لا تقتصر الأزمة الفرنسية على الجانب الاقتصادي فحسب، بل تمتد لتشمل اضطراباً سياسياً عميقاً. ففي غضون عامين فقط، اضطر الرئيس ماكرون إلى تغيير الحكومة أربع مرات، مما يعكس حالة من عدم الاستقرار السياسي وصعوبة في تشكيل ائتلاف حكومي قادر على كسب الثقة البرلمانية. لم يستمر رئيس الوزراء فرانسوا بايرو في منصبه أكثر من ثمانية أشهر، وجاء بعده ميشيل بارنييه الذي لم يصمد سوى ثلاثة أشهر، لتكون الحكومة التي استقالت مؤخراً هي السادسة في عهد ماكرون الذي تولى الرئاسة عام 2017.

 

  1. وقد تجلى هذا الاضطراب بوضوح في رفض البرلمان لمشروع الموازنة الذي قدمته حكومة بايرو.
  2.  فقد اتفقت أحزاب اليمين المتشدد واليسار على إسقاط المشروع الذي يتضمن إجراءات تقشفية لخفض
  3.  الإنفاق العام بأكثر من 44 مليار يورو (52 مليار دولار). وشملت هذه الإجراءات تجميد المعاشات
  4.  التقاعدية، وخفض الإنفاق على الرعاية الصحية، وإلغاء يومي عطلة رسميين، وهي بنود اعتبرتها
  5.  المعارضة "تعاقب الطبقات الأقل حظاً" وتضر بالعمال والعائلات محدودة الدخل.

 

لقد أسفرت هذه التطورات عن تصويت حجب الثقة عن الحكومة، مما ألقى بظلال من الشك على قدرة الرئيس ماكرون على تنفيذ أجندته الإصلاحية. وعلى الرغم من أن أسواق الأسهم لم تتأثر بشكل كبير في البداية، إلا أن أسواق السندات شهدت اضطراباً واضحاً، مع ارتفاع العائد على سندات الدين السيادي الفرنسي إلى مستويات لم تشهدها منذ عام 2009. هذا الارتفاع في العائد يعني تراجع قيمة الدين في سوق السندات، وهو مؤشر على قلق المستثمرين من قدرة فرنسا على الوفاء بالتزاماتها المالية.

 

### خيارات ماكرون بين الصعب والأصعب

 

أمام هذا المشهد المعقد، يجد الرئيس إيمانويل ماكرون نفسه أمام خيارات صعبة، كل منها يحمل في طياته تحديات جمة وقد لا يقود بالضرورة إلى حل جذري للأزمة الاقتصادية والسياسية. بالطبع، يسعى ماكرون جاهداً لتفادي سيناريو تضطر فيه فرنسا إلى اللجوء لصندوق النقد الدولي أو آلية الإنقاذ الأوروبية، كما حدث مع اليونان قبل نحو عقد من الزمن.

 

**الخيار الأول: تعيين شخصية توافقية لرئاسة الحكومة.**

يمكن لماكرون أن يعمد إلى تعيين شخصية تحظى بقبول واسع لدى مختلف الأطراف السياسية، على أمل أن تتمكن هذه الحكومة الجديدة من تأمين تمرير الموازنة التقشفية في البرلمان. ومع ذلك، يبدو هذا الخيار محفوفاً بالمخاطر، ففي ظل المعارضة القوية والرفض الواسع لسياسات خفض الإنفاق التي تستهدف الخدمات والدعم الاجتماعي، قد يكون من المستحيل على أي حكومة، مهما كانت توافقية، الحصول على الثقة البرلمانية لتمرير موازنة مماثلة.

 

**الخيار الثاني: حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة.**

هذا الخيار، وإن كان يبدو حاسماً، إلا أنه قد يأتي بنتائج عكسية. فقد سبق لماكرون أن جازف بالدعوة إلى انتخابات مبكرة في يونيو 2024، لكن النتيجة كانت فوز اليمين المتشدد بقيادة مارين لوبن بالأغلبية، وزيادة مقاعد أحزاب اليسار، بينما تراجع نصيب ائتلاف الوسط ويمين الوسط المؤيد لماكرون. تكرار هذا السيناريو قد يؤدي إلى إضعاف ائتلافه أكثر، وتعميق المأزق السياسي بدلاً من حله.

 

**الخيار الثالث: استقالة الرئيس إيمانويل ماكرون.**

يعتبر هذا الخيار "ثورياً" بامتياز، وسيؤدي إلى إجراء انتخابات رئاسية وعامة مبكرة، وإعادة تشكيل كامل للمشهد السياسي الفرنسي. ورغم الدعوات المتزايدة لاستقالته، فقد كرر ماكرون تعهده بعدم ترك منصبه حتى آخر ربع ساعة من ولايته الثانية التي تنتهي في ربيع عام 2027. لكن مع تصاعد الاحتجاجات والإضرابات المتوقعة في الأيام المقبلة، قد تتفاقم الأزمة الاجتماعية لتجعل الأزمة الاقتصادية والسياسية أكثر حدة، مما قد يطيح بالرئيس رغم إرادته. ويشير استطلاع رأي نشرته صحيفة "لو فيغارو" إلى أن 64 في المئة من الفرنسيين يرغبون في استقالة ماكرون، كما أظهر استطلاع آخر لصحيفة "أويست فرانس" أن 77 في المئة من الناخبين غير راضين عن أدائه، مما يعكس أدنى مستويات القبول الشعبي له منذ توليه الرئاسة.

 

**الخيار الرابع: تشكيل "حكومة تكنوقراط".**

قد يلجأ ماكرون إلى خيار تعيين شخصية من خارج الساحة السياسية لتشكيل "حكومة تكنوقراط" تكون مهمتها الأساسية مواجهة التحديات المالية والاقتصادية. الفكرة هنا هي تجاوز الانقسامات السياسية بوزراء متخصصين. لكن تبقى المشكلة الجوهرية أن حتى هذه الحكومة "غير السياسية" ستحتاج إلى تمرير قوانينها وقراراتها عبر البرلمان، الذي يهيمن عليه حالياً معارضو ماكرون من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، مما يجعل مهمتها صعبة للغاية.

 

### خيارات المعارضة شعبوية أم حلول حقيقية؟

 

في المقابل، تدرك المعارضة البرلمانية أن مشروع الموازنة الذي رفضته، والذي كان يستهدف خفض عجز الموازنة إلى 5.4 في المئة بنهاية عام 2025 وإلى 4.6 في المئة عام 2026، ثم إلى 3 في المئة بحلول عام 2029، يتماشى مع التوقعات الاقتصادية التي ترى أنه لا مفر لفرنسا من اتباع إجراءات تقشفية لسد فجوة العجز وضبط مستويات الدين العام. ورغم أن السياسات التقشفية لا تحظى بشعبية، إلا أن المعارضة لم تطرح بديلاً واقعياً شاملاً لمواجهة التحديات المالية والاقتصادية.

 

  • يبدو أن المعارضة تستخدم الغضب الشعبي كأداة للنيل من سلطة الرئيس ماكرون وأي حكومة يعينها،
  •  أكثر من تقديم حلول عملية. فالحزب الاشتراكي، أحد مكونات اليسار، يرى أن الموازنة المقترحة
  •  "تعاقب الطبقات الأقل حظاً"، ويقترح خطة لخفض الإنفاق العام بنصف المبلغ المقترح، وتسديد الدين
  •  على مدة أطول. بينما لم يطرح اليمين المتطرف بقيادة مارين لوبن أي بدائل ملموسة لسد فجوة العجز
  •  أو خفض حجم الدين العام.

 بل يراهن حزب "المسيرة القومية" على الفوز بالرئاسة في موعدها عام 2027، ويفضل حل البرلمان وإجراء انتخابات عامة مبكرة لتعزيز غالبيته البرلمانية.

 

### الخلاصة

 

تتربص الأزمةالاقتصادية والسياسية بفرنسا، وتضع مستقبلها على المحك. فبينما يواجه الرئيس ماكرون خيارات صعبة لا تبدو أي منها سهلة أو مضمونة النتائج، يبدو أن المعارضة تفضل استغلال الوضع السياسي الراهن بدلاً من التعاون لإيجاد حلول مستدامة. إن الحاجة الملحة لإصلاحات اقتصادية جذرية وضبط مستويات الدين العام والعجز، تتصادم مع الرفض الشعبي والبرلماني لسياسات التقشف.

فى الختام

 هذا التناقض يدفع فرنسا نحو المزيد من الاضطراب، ويجعل التساؤلات حول قدرتها على تجاوز هذه المرحلة الحرجة أكثر إلحاحاً. يبقى السؤال مفتوحاً حول ما إذا كانت الطبقة السياسية الفرنسية ستجد طريقاً للتوافق وتغليب المصلحة الوطنية للخروج من هذا المأزق، أم أن البلاد ستستمر في دوامة عدم الاستقرار.

## فرنسا على مفترق طرق: أزمة اقتصادية وسياسية متفاقمة وخيارات صعبة


author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent